Monday, May 15, 2006

التحليل النفسي بين المجتمعات التقليدية ومجتمعات الحداثة


محاضرة قدمها المحلل النفسي فتحي بن سلامة، على عدد من المحللين في دمشق _سوريا

عرض د.رندا رزق الله

تمر المجتمعات العربية اليوم بنقطة تحول كبيرة ، جعلتها تتخبط بين الحاضر والماضي ، وجعلت ذات الفرد العربي في موقع التساؤل وإعادة بناء موقع يتناسب والتحولات الحضارية الهائلة التي يشهدها، والتي جعلته يعيش في غربة هائلة عن ماضيه وعن حاضره في الوقت نفسه.

إن كلمة الذات في العربية هي ترجمة لما يقابلها بالفرنسية والانكليزية لكنها لاتعطي المعنى المطلوب منها وهو الفاعل والمفعول. وقد بحثت عن كلمة في المراجع العربية تعطي هذا المعنى وتوصلت إلى أنه يمكن استخدام كلمة عبد ( والتي تعطي معنى الفاعل والمفعول). هذه الذات تتحدد في مرحلة المرآة من نمو الطفل، التي تشطر الذات عن اسمها ويصبح الطفل ذات في سن الأربع سنوات تقريباً. أي يصبح العبد كلامي واجتماعي.

لقد تغير في الذات الحضارية جانبها الاجتماعي بينما بقي الجانب اللغوي يعطي نفس المعاني والوظائف اللغوية، أما المتبدل فهو المجتمع والعلاقات الاجتماعية. في مرحلة الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية هناك فترة اغتراب كبيرة

فما الذي تغير في الذات بين المجتمعات التقليدية والمجتمعات الحديثة؟.؟

محاور التبدل في فترة الاغتراب التحولية هي :

أساليب الزواج ودلالاته:

في المجتمعات التقليدية كان الزواج يتم بين العائلات الممتدة ( المؤلفة من جيل الأجداد والآباء والأبناء والعموم والأخوال)، فارتباط شاب وفتاة يعني ارتباط أسرتيهما بروابط النسب، وذلك بهدف الحفاظ على الأرث الذي يمثل الأرض أو الأملاك، والأرض هي الحياة. وبمعنى آخر العائلة هي التي تنتج الزواج وليس العكس. بينما يعتبر الزواج خارج هذا الإطار عار لأنه مهدد وخطير يهدد بفقدان الأرث.وهذا ما نجده في زواج (الخطيفة) والذي يعني الزواج دون مباركة أسرتي المتزوجين. بينما في المجتمعات الحديثة الزواج هو الذي ينتج الأسرة النووية (الصغيرة) المؤلفة من أب وأم وأولاد فقط، كما أن حياة الأجداد والأقارب منقطعة تقريباً عن حياة الأبناء في أسرهم الصغيرة. الأمر الذي يؤثر حتماً على دور الأب في الأسرة والأنا الأعلى بالنسبة للذات.

المرأة وعذرية الفتاة:

تتبدل علاقة الانسان مع ذاته عندما يتبدل مفهوم العذرية المرتبط بالعلاقة الجنسية بشكل جذري. ففي المجتمعات التقليدية يدخل جسد المرأة في العلاقة الأيروسية أي أن جسدها هو جسد للعائلة كلها. في المجتمعات الحديثة يخرج جسد المرأة من هذه العلاقة ويصبح معبراً عن ذاته وملكاً للمرأة نفسها. وبالتالي يتحول جسدها من جسد محرم مخبأ إلى جسد معبر عنه.

العلاقة الجنسية:

إن مجتمع الحداثة يفصل بين العلاقة الجنسية والإنجاب، وهو بمعنى آخر الفصل بين المرأة و الأم. فمثلاً تطرح الحداثة العلاقة الجنسية مع موانع الحمل، واحدى النساء كانت تميز أبناءها وتقول أن الذين أتوا قبل حبوب منع الحمل هم وديعين وطيبين وبينما الذين أتوا بعد تناولها حبوب منعالحمل وإرادتها حملهم كانوا عصبيين .

في كتاب فرويد ( ما فوق مبدأ اللذة)، يرى أن إشباع اللذة بحد ذاتها غير كاف، فالمتعة التي يسعى إليها الإنسان لا تقف عند درجة إشباع لها ، ولكنها تذهب به إلى الموت.في المجتمعات التقليدية الأنثى خطر مهدد بالنسبة للذكور لأنها معرفة غامضة سحرية يمكن أن تؤدي بالرجل إلى المتعة الكاملة التي تعني الموت. في قصص ألف ليلة وليلة تدور الحكايا كلها حول أساليب المرأة لتجعل الرجل يقع في غيرة مع الآخر. وعندما تضع الحداثة المرأة خارج المنزل بعيداً عن أنظار الرجل ، أي تضعها في ساحة هذا الآخر مما يجعل الرجل يقع في حالة قلق وتوتر ومشكلة غير مفهومة بالنسبة له.

موقع الأب في الأسرة وتحولات الأنا الأعلى:

يتمتع مركزالأب في الأسرة التقليدية بمكانة كبيرة ويتشارك فيه كل ذكور العائلة من (جدود وعموم وأبناء وأخوال ...)، بينما يتقلص هذا الدور في الأسرة الحديثة ليفقد أب العائلة ربوبيته لها، ويصبح بالتالي أب لكل فرد على نحو خاص. كما تحل الدولة والقانون محل العلاقة الأبوية بالنسبة للفرد.

لقد ميز فرويد بين نوعين من الأنا الأعلى وهما: الأنا الأعلى الخارجي أو الاجتماعي والأنا الأعلى الذاتي الذي يمثل وظيفة في النفس الانسانية تعمل كرقيب على رغبات الشخص مما يدفعه للتخلي عن الرغبات المرفوضة ويؤدي بالتالي إلى الشعور بالذنب، لكن المشكلة لا تحل بالتخلي عن الرغبة .

إن الأنا الأعلى الثاني هو الأبوي والذي يتكون من العلاقة مع الوالدين الأم والأب، ويكون ممزوجاً بالحب والتسامح. بينما يكون الأنا الأعلى الاجتماعي خطيراً لأنه خالي من الحب كما أنه أكثر بدائية من الأبوي.

عند تحول الأسرة من المجتمعات التقليدية إلى مجتمعات الحداثة، يغلب الأنا الإجتماعي وتكون لسلطته قوة كبيرة وظاهرة. لذلك يكثر جنوح الأحداث نتيجة هذا الخلط بين الأنا الأعلى الأبوي والأنا الأعلى الاجتماعي .

الطقوس والدين ومجتمع الحداثة:

في المجتمعات التي تعيش غربة التحول من حالتها التقليدية إلى الحداثة، يبرز رفض للتقاليد والقيم القديمة و تحول التدين إلى مجرد ممارسة آلية للطقوس ، ففي المجتمع التقليدي تتمتع الطقوس بأهمية كبيرة، فهي تطبع أفراد المجتمع بطابع موحد، وتشكل علاقة الذات بالمعرفة، فذات الفرد هي التي تتلقى المعرفة عن طريق الطقوس بأساليب سرية يكتنفها الغموض وبهالة سحرية جذابة توحد معارف الجماعة. وفي أسطورة أوديب عندما يسقط أبو الهول تسقط جميع الطقوس الاجتماعية التي تمنح المعرفة ويصبح الفرد هو مصدر معرفته الذاتيه وهذا ما يسمى ب( التأسيس الذاتي)

إذاً تقوم الحداثة على بناء الفرد معرفته بذاته، والخلل في الحصول على المعرفة يؤدي حتماًإلى تكاثر الاضطرابات النفسية في المراهقة. ومشكلات في نرجسية علاقة المراهق بذاته.

أمام المراهق في مجتمعات التحول هذه أحد حلين: إما العودة إلى أصول الدين كما هي والتمسك بها والمغالاة في ممارستها، وهنا علينا فهم ما يعيشه ومبررات لجوءه إلى هذا الحل، ألا نعكس له الخطاب الاجتماعي والسياسي الذي يخاطبه. او ينجرف المراهق بتيار الحداثة وكل ما يجلبه ويحاول تمثل صورة الذات في مجتمعات الحداثة المرسومة له،

إن كل حداثة تقدم حرية فردية لكن هذه الحداثة ينبغي أن تواكبها حلول للمشكلات التي تظهر نتيجة التحول من مجتمعات تقليدية إلى مجتمعات الحداثة.وهنا يكون للفنون دور هام في طرح تلك المشكلات والبحث عن حلول لها، وعقلنة ما يجري في هذه المجتمعات.

المعرفة: إن الحداثة تعني التقنية، والتقنية تربط وجود الإنسان بالمعرفة، مثلاً تحديد موعد الحمل وموعد الولادة ومعرفة شكل وأبعاد الجنين...إلخ. أي تربط الحداثة الإنسان بقوة إلى الآلة لا بالله الذي يحدد قدرالإنسان.

الموت: مما سبق يمكننا توضيح علاقة الانسان بمعنى الحياة.

ففي المجتمع التقليدي الديني الموت وطقوسه توجه المعنى والمعرفة، فحياة الفرد مرتبطة بالآخر ( الله). أما في مجتمعات الحداثة فالتقنية الطبية توجه الموت وتعطي معنى الحياة، وتتدخل في التغيرات في حدود الشخص وعلاقته بالآخرمثل عمليات زرع القلب والأعضاء الحية فنقول ( إن حياة الآخر دخلت في حياتي وقلبه أعطاني الحياة)

وفي مجتمع الحداثة بالتالي موت الآخر يعطي الحياة، وهذا ما جلبته حروب الحداثة وحضارة الموت.فالذات التي هي في اللغة العربية العبد تصبح في مجتمع الحداثة القاتل والمقتول في آن معاً بعدما كانت في المجتمع التقليدي الفاعل والمفعول

وأخيراً إن تحديث المجتمعات التقليدية بشكل سريع له عواقب وخيمة على ذات الفرد حيث يصبح مستغرقاً فيها وغير قادر على مواكبتها، أي بعبارة أخرى غير قادر على امتلاك آليات دفاعية حديثة وأكثر تلاؤماً لما تجلبه تلك الحداثة من تغيرات على كافة الصعد.

Randa Rezg Allah, PhD

1 comment:

Anonymous said...

I used to be suggested this blog by my cousin.
I'm no longer certain whether this post is written through him as no one else recognise such precise about my difficulty. You're wonderful!
Thanks!

Also visit my site - click here to buy facebook followers